المكانة السياسية والاقتصادية لتايوان

 

 

 

حيدر بن عبدالرضا اللواتي

haiderdawood@hotmail.com

باتت تايوان اليوم لاعبًا رئيسيًا وشريكًا لا غنى عنه في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ حيث تعمل حكومتها المحلية على تحقيق السلام والاستقرار والازدهار العالمي، والاستمرار في ممارسة الديمقراطية، والابتعاد عن ممارسة الأساليب غير الحضارية في الأعمال اليومية، كما تُسهم تايوان بشكل كبير في الاستقرار والازدهار العالمي من خلال اقتصادها القوي المتمثل في منظومة أشباه الموصلات لتشكّل اليوم واحدًا من الاقتصادات العالمية الكبيرة، وتصل إلى المرتبة الـ21 من حيث الحجم الاقتصادي في العالم.

وتتصدر تايوان اليوم في مجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، حيث تُنتج أكثر من 60% من رقائق العالم و90% من أكثرها تطورًا؛ حيث تُعزِّز هذه القوة الاقتصادية النمو العالمي وتجعل تايوان شريكًا لا غنى عنه للتنمية العالمية في مختلف المجالات. وحيث إنها رائدة في إنتاج أشباه الموصلات والتقنيات المتقدمة، فإن ذلك يُعزز من نقاط قوتها الاقتصادية والابتكار والنمو في قطاعات الذكاء الاصطناعي والرقمنة والرعاية الصحية. ومن هذه الأهمية للمكانة الصناعية الكبيرة لها، فقد أطلقت تايوان استراتيجية دبلوماسية اقتصادية تُركز على سلاسل التوريد بهدف بناء شبكات موثوقة وشفافة تحمي الصناعات الحيوية لها، والعمل على المساهمة في تحقيق أهداف التنمية المستدامة بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية للأمم المتحدة لعام 2030، والارتقاء بالعمل مع الدول الأخرى في هذه المشاريع.

ويتوقع الخبراء أن يشهد الاقتصاد التايواني نموًا قويًا خلال العام الحالي 2025، بفضل الطلب المرتفع على الرقائق وخوادم الذكاء الاصطناعي. وتُقدر هيئة الإحصاء التايوانية نمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.45%، مع توقعات نمو الصادرات بنسبة 24.04%، وهي زيادة كبيرة مقارنة بالتقديرات السابقة البالغة 8.99%. ولكن هناك مخاوف بشأن تأثير الرسوم الجمركية الأمريكية، وإن كانت الحكومة تؤكد أنها مؤقتة.

ويسهم الطلب العالمي القوي على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي بشكل كبير علاقات هذه الجزيرة شبه المستقلة مع العالم. ويعكس هذا الأداء القوي قدرة اقتصاد تايوان على الاستفادة من الطلب المتزايد على أشباه الموصلات والمنتجات التقنية، خاصة مع الدور المحوري لشركات مثل TSMC التي تعد أكبر مصنع للرقائق التعاقدية في العالم.

ونتيجة لهذه الأهمية، فإن موضوع تايوان يُثار أحيانًا في سياقات تتعلق بالسياسات الدولية والأمن الإقليمي العالمي، في الوقت الذي تعتبر فيه جمهورية الصين الشعبية جزيرة تايوان جزءًا من أراضيها وتعمل على إعادة توحيدها ومنعها من المشاركة في المنظمات الدولية، بينما تواصل تايوان باقتصادها القوي الحفاظ على حكمها الذاتي والتعاون مع العالم فيما يهم جميع المسائل التي تعزز مشاريع الانسانية والصحية، والمؤسسات الاجتماعية والاقتصادية. وتظل هذه القضية معقدة ومتشابكة، وتؤثر على السياسات الإقليمية والدولية، مع استمرار التوتر العالمي بشأن هذه القضية.

وتتعامل دول العالم مع تايوان بطرق متنوعة، بالرغم من أن أغلبها لا يُقيم علاقات دبلوماسية رسمية معها، باعتبارها جزءًا من أراضي الصين، إلّا أن هناك علاقات بطرق غير رسمية مع تايوان من خلال فتح مكاتب تمثيلية أو مراكز تجارية واستثمارية، من أجل تبادل البعثات غير الرسمية، والتعاون في مجالات التجارة والتكنولوجيا والصحة والعلوم. وتشارك تايوان بشكل غير رسمي في بعض المنظمات الدولية تحت مسميات مختلفة مثل "الصين تايبيه"، فيما توفر أمريكا دعمًا غير رسمي لها، وتقدّم لها تسهيلات تجارية وتكنولوجية دون الاعتراف الرسمي لتجنب تصعيد التوتر مع الصين؛ حيث تلتزم أمريكا بسياسة "الصين الواحدة" لكن مع دعم غير رسمي لتايوان.

ووفقًا للبيانات الرسمية، فإن عدد الدول التي تعترف بتايوان رسميًا حتى عام 2025، تبلغ حوالي 13 دولة فقط من أصل حوالي 195 دولة في العالم التي تمنح اعترافًا دبلوماسيًا رسميًا لدول العالم، بينما كان عددها 60 دولة في فترة الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي. إلا أنه بعد استعادة الصين لمقعدها في الأمم المتحدة عام 1971، تراجع عدد الدول التي تعترف بتايوان تدريجيًا ليصبح عددها اليوم محدودًا في إطار هذا الوضع الدبلوماسي؛ حيث تتوزع هذه الدول بشكل رئيسي في أمريكا اللاتينية، وبعض جزر المحيط الهادئ، وأفريقيا.

إن تايوان بقوتها الاقتصادية والصناعية وبكفاءاتها البشرية تملك الكثير من مقومات الحياة؛ حيث يزيد عدد سكانها عن 23 مليون شخص، ولديها من المؤسسات الصناعية والتدريبية الكبيرة التي تستفيد منها جميع دول العالم؛ الأمر الذي يعطي الفرصة للكثير من الدول الاستفادة من مؤسساتها الصناعية والتعليمية والتدريبية الراقية.

 

  

 

الأكثر قراءة